عميل مصرى داخل الجيش الأسرائيلى
كيبورك يعقوبيان هو الجاسوس الذى زرعته مصر فى الفترة بين عامى 61 و64 داخل صفوف الجيش الإسرائيلى وكان وراء الكشف عن موقع مفاعل ديمونة جنوب إسرائيل وأسهم فى تحديد معسكرين للجيش الإسرائيلى علاوة على إبلاغه معلومات خاصة بهيئة الدفاع المدنى.
الإعلام الإسرائيلى يقوم بعمليات فبركة وتزييف للعمليات الاستخباراتية التى نجحت من خلالها القاهرة فى اختراق تل أبيب الأمنية والسياسية من الداخل الأمر الذى يأخذ شكل عملية تمويه إسرائيلى للواقع ومحاولة إظهار الانتصارات الاستخبارية المصرية على أنها فشل وإخفاق من قبل القاهرة.
يعقوبيان قدم مثالا على هزيمة تل أبيب فى عقر دارها وإصابتها فى مقتل لكن تل أبيب ومن خلال آلتها الإعلامية تخرج علينا كل فترة وأخرى بمزاعمها فمثلما قالت أن رأفت الهجان جاسوسا لإسرائيل زعمت أن كيبورك يعقوبيان الجاسوس المصرى الذى استطاع اختراق المؤسسة العسكرية يعمل بعلمها المسبق لدى المخابرات العامة المصرية .
لكن نوعية وحجم المعلومات التى قام يعقوبيان بنقلها إلى مصر وبشهادة تل أبيب نفسها التى من بينها الكشف عن موقع مفاعل ديمونة جنوب إسرائيل وتحديد معسكرين للجيش الإسرائيلى علاوة على معلومات خاصة بهيئة الدفاع المدنى هناك وغيرها تكشف أن الرواية الإسرائيلية بها قدر كبير من الكذب .
إسرائيل كعادتها تحاول التقليل من تاريخ المخابرات المصرية فى كشف كثير من عملاء الموساد داخل القاهرة أو حول العالم أو زرعها للعملاء داخل أهم المناطق الحساسة داخل تل أبيب.
ففى شهر أبريل الماضى زعمت صحيفة هآرتس أن رفعت الجمال المعروف برأفت الهجان كان عميلا لإسرائيل والآن تخرج علينا تل أبيب بتقرير للقناة السابعة الإسرائيلية نقلته بالنص عن موقع الشاباك ( جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى ) الإلكترونى مؤخرا يزعم فشل المخابرات المصرية فى زرع عميل لها داخل جيش إسرائيل هو كيبورك يعقوبيان المصرى من أصل أرمنى والذى تم تجنيده باسم يتسحاق كوتشوك كيهودى من أصول يونانية.
الخبير الاستراتيجى اللواء سامح سيف اليزل كان قد كشف فى تصريحات إعلامية عن قصص 3 عملاء زرعتهم مصر داخل تل أبيب مما دفع الأخيرة للاعتراف بتلقيها صفعة من مخابرات مصر وهم كيبورك يعقوبيان وشموئيل باروخ وعبد الرحمن قرمان مضيفا أن تل أبيب اعترفت بذلك خلال كتاب صدر بعنوان الجواسيس موضحا أن يعقوبيان تجند بالجيش الإسرائيلى وصور أهدافا عسكرية مهمة وأن تل أبيب اعتبرت أن من أهم 20 قضية تجسس ضدها كان نصيب مصر أربعة من بينهم القضية المعروفة والتى كان بطلها رأفت الهجان بجانب العملاء الثلاثة .
الآن تحاول تل أبيب تشويه النجاح المصرى فتقرير القناة السابعة الأسرائيلية يصف إعداد المخابرات المصرية للجاسوس بـالسطحى وأنه لم يكن يعرف شيئا عن اليهودية وأنه وقع بسبب التعاون بين جهاز الأمن الداخلى ( الشاباك ) الذى يناظر أمن الدولة فى مصر وقسم الأمن الميدانى بجيش إسرائيل مضيفا أن مهمة يعقوبيان كانت التغلغل داخل المؤسسة العسكرية وتولى منصب جدير بالأهمية وهو الأمر الذى باء بالفشل بعد رفض كل طلباته للالتحاق بسلاح المدرعات أو العمل مصورا باستخبارات القيادة المركزية بالجيش الإسرائيلى أو تلقية دورات تدريبية للضباط .
الفشل الاستخباراتى المصرى كما تحاول القناة السابعة الإسرائيلية تأكيده كانت سببه الرسائل المتبادلة بين يعقوبيان والمصريين فى روما قائلة بعد دخول الجاسوس إلى إسرائيل على يد المصريين وقعت فى يد تل أبيب رسالة تم بعثها لأحد العناوين بروما والمعروفة بأنها كانت مكان عمل للمخابرات المصرية الرسالة المكتوبة بالإنجليزية لم تعط تفاصيل عن اسم أو عنوان مرسلها لكن من خلال محتواها تبين أن كاتبها وصل إلى إسرائيل فى 24 ديسمبر 1961 م وأنه يقيم بإحدى المزارع التعاونية هناك ( الكيبوتس ) .
وتستكمل قائلة المحاولات الأولى لتحديد المشتبه به فشلت لكن استمرار المراقبة أثمر عن مزيد من الرسائل بعث بها نفس المشتبه به إلى روما كذلك تم اعتراض رسالة من الأخيرة لشخص يدعى زكى سليم الاسم الحركى للجاسوس يعيش فى كيبوتس نجفا جنوب إسرائيل وعن طريق الفحص المعملى للخطاب هذا تبين احتواءة على رسائل بالحبر السرى وباللغة العربية ليتم تحديد هوية الجاسوس بشكل نهائى فى أكتوبر 1962 بعد خطاب مرسل لروما أبلغ المصريين فيه انتقاله للسكن فى مدينة أشكلون .
ولكن إذا كانت المخابرات المصرية فشلت بالفعل فى قضية يعقوبيان فلماذا تؤكد نفس القناة فى تقريرها أنه نجح فى نقل كثير من المعلومات المهمة والحساسة للقاهرة كان من بينها تحديد معسكر سلاح المدرعات بمنطقة ( جولس ) شمال إسرائيل وعدد الدبابات التى كانت موجودة به حينئذ وتحديد معسكر ( حسا ) بجانب جولس ومعلومات عن قيادة الدفاع المدنى بيافا وامتلاك إسرائيل المتوقع لطائرات ( الميراج ) الفرنسية ودبابات ووسائل قتالية حديثة أخرى ورحلات تدريب لطائرات ( الميراج ) و( المستير ) و( أورجن ) بمنطقة لاخيش الإسرائيلية ووجود مفاعل نووى بين منطقتى ديمونة وسدوم .
ولو كان المصريون فشلوا كما تزعم إسرائيل فلماذا وصفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية يعقوبيان بعد إعتقاله بـأنة حوت ضخم لا يمكن لأجهزة الأمن الإسرائيلية القبض على جواسيس فى مثل حجمه وأهميته .
الفاشل الحقيقى فى هذه القضية هو جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى ( الشاباك ) فمن خلال التقرير يتضح لنا أن الأخير سمح بالتحاق يعقوبيان بالجيش الإسرائيلى فى 5 نوفمبر 1962 م بالتنسيق مع قسم الأمن الميدانى بالجيش شريطة أن يوضع يعقوبيان فى وظائف غير حساسة وتحت رقابة شديدة حيث تم وضعه للعمل سائقا فى قيادة الدفاع المدنى فإذا ما سرنا مع التقرير الإسرائيلى حتى باب الدار وافترضنا علم تل أبيب بعمالته للمصريين فهل من طبيعة شاغلى الوظائف غير الحساسة الحصول على هذه المعلومات عن معسكرات تل أبيب ومفاعله النووى علاوة على أن تلك المعلومات هى بعض ما كشفته القناة السابعى الأسرائيلية وفقا لتقريرها فما خفى كان أعظم .
وبعيدا عن الرواية الهلامية المتناقضة التى تحاول تل أبيب تقديمها لنا عن جاسوس مصرى استطاع اختراق مؤسستها العسكرية لسنوات تورد القناة معلومات سمتها بـالجديدة عن القضية موضحة أنه ولد فى عام 38 بالقاهرة لوالدين فرا من تركيا بسبب مذابح الأرمن هناك وعمل مصورا فى استوديو بالقاهرة ثم سجن عام 59 هو وأحد أصدقائه على يد الشرطة بعد اتهامه بأعمال غير أخلاقية.
وتضيف القناة إنه خلال فترة اعتقاله فى يناير 1960 انتشرت بالسجن شائعة أن السلطات تبحث عن متحدثين للغات الأجنبية مما دفعه لتقديم مساعدته وهنا التقاه ضابط مخابرات مصرى حاول تجنيده لمهمة استخباراتية خارج مصر وهو ما جعل يعقوبيان يدرك أن الحديث يدور عن إسرائيل فرفض لكن بعد تقديمه طعنا على سجنه والإفراج عنه مر بضائقة مالية ولم يجد عملا بسبب تاريخه الجنائى .
وحول بداية عمله مع المخابرات قالت القناة إنه فى مرحلة معينة قام ضابط المخابرات المصرى بمعاودة الاتصال به وحاول إقناعه للعمل معه لمدة 3 سنوات ووعده بمنحه الجنسية المصرية وإعانة والدته ماليا وإعفائه من الخدمة بالجيش المصرى وهنا وافق يعقوبيان ليمر بعدد من التدريبات استعدادا للمهمة كما منح هوية يهودى وأجريت له عملية ختان .
حاملا هويته الجديدة تقول القناة تحول يعقوبيان إلى ( يتسحاق كوتشوك ) يهودى من مواليد سالونيك اليونانية هاجر إلى مصر مع والدته وزودته المخابرات المصرية بصورتين الأولى لمدافن اليهود بمصر والثانية لقبر والدته المزعوم ولكى يمتص الديانة اليهودية وعاداتها قام بزيارة المعبد الكبير بالقاهرة عدة مرات وبرفقة رجال المخابرات فى أيام السبت والأعياد لكن هذا الإعداد كان سطحيا وكان يعقوبيان جاهلا فى الشؤون اليهودية وبعدها قام بطلب مساعدة الصليب الأحمر للهجرة من مصر فقاموا بتوجيهه لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين وهناك اقترحوا عليه مكانين للهجرة كان من بينهما البرازيل التى اختارها وفى القنصلية البرازيلية قام بتقديم شهادة من الحاخامية بالقاهرة أعطتها له المخابرات المصرية لتكون دليلا على هويته اليهودية .
يعقوبيان وصل إلى البرازيل فى 26 أبريل 1961 م على سفينة خرجت من إيطاليا وفى الطريق قام بعقد صداقة مع أسرة إسرائيلية تقوم بزيارة لأحد أقاربها بالبرازيل وهناك انتظره أحد مشغليه من رجال المخابرات المصرية الذى طالبه بتوطيد علاقاته مع تلك العائلة بعدها أقنع رب العائلة يعقوبيان بالسفر إلى إسرائيل كما رتب له وسائل الاتصال بالمؤسسات الصهيونية التى تعنى بتهجير اليهود فى البرازيل وعلى الفور تلقى كوتشوك تأشيرة الهجرة. قامت المخابرات المصرية بتزويده بالمال والكاميرات استعدادا لرحلته إلى إسرائيل وفى طريقه لأسرائيل التقى فى جنوة بإيطاليا برجل المخابرات المصرية الذى طلب منه كمرحلة أولى فى مهمته التأقلم مع الواقع الإسرائيلى وعمل تغطية وساتر له وفقا للخطة التى كان على يعقوبيان تنفيذها وهى إيجاد عمل لة بمحل تصوير بالقرب من تل أبيب وبعد نحو 8 أشهر من التأقلم داخل إسرائيل سافر إلى مصر عبر قبرص ليتعلم اللا سلكى .
وخلال فترة التأقلم فى إسرائيل عرف يعقوبيان طرق الاتصال بالمراسلات والخطابات السرية مع المصريين فى إيطاليا وتم تزويده بمواد الكتابة السرية وطرق فكها كما سمح له المصريون خلال مرحلة التأقلم بالإبلاغ عن أى مؤشرات لحالات التأهب أو ملاحظته لأى أمرا غير عادى بإسرائيل مضيفة أن مسار الأحداث لم يتطابق مع الخطة المصرية فبعد تجنيده بالجيش طالبه المصريون بالعمل فى سلاح المدرعات لكنه فشل فى ذلك كما لم ينجح فى العمل مصورا باستخبارات قيادة المركز ورفض طلب له فى مايو 63 بتلقى دورة تدريبية للضباط ليتم اعتقاله بعد تسريحه الذى جاء بناء على طلبه.
القناة قالت فى نهاية تقريرها إن يعقوبيان حكم عليه عام 1964 م بالسجن 18 عاما وظل في السجن لمدة عامين فقط وفي اليوم التاسع والعشرين من شهر ابريل عام 1966 م تم تبادله مع ثلاثة إسرائيليين كانوا قد اجتازوا الحدود المصرية بدون إذن وهم يلفيد حانوخا وابنه صموئيل حانوخا وعودي مائير وطلبت مصر استلام فدائيين فلسطينيين مع يتسحاق كوتشك هما حسين حسن الحفاني وسعيد خميس عبدالقادر اللذان قبض عليهما في إسرائيل وهما في طريقهما لتنفيذ عملية فدائية في الداخل
الدكتور نبيل فاروق الكاتب المتخصص فى شؤون الجاسوسية يقول تعليقا على تقرير القناة السابعة الإسرائيلية إنه لا يوجد خصم يعترف بانتصارك عليه ولا يوجد جهاز استخبارات يتعرض لهزيمة ويقول إنه تعرض لها وفى كل عملية مخابرات نجح فيها المصريون قامت تل أبيب بقلب الحكاية لتبدو هى المنتصرة عبر الآلة الإعلامية الإسرائيلية المجهزة والموجهة للخارج وقد حدث هذا مع رأفت الهجان عندما حاولوا قلب القصة لصالحهم بالقول إنه كان يعمل جاسوس لدى تل أبيب .
هناك اثنين إسرائيليين متخصصين فى إعادة تشكيل وتأليف قصصى لعملية المخابرات بحيث تبدو إسرائيل هى المنتصرة فى تلك العملية وهما يوسى ميلمان خبير الشؤون الاستخباراتية لصحيفة ( هآرتس ) الإسرائيلية والصحفى إيتان هابر محلل الشؤون الأمنية بصحيفة ( يديعوت أحرونوت ) العبرية ومدير مكتب إسحاق رابين رئيس الوزراء الأسبق لافتا إلى أن الاثنين يقومان بعملية تأليف وإعادة تشكيل لعمليات المخابرات العامة المصرية . أن مزاعم القناة السابعة الإسرائيلية عن كيبورك يعقوبيان يكذبها ويفندها وهو أمر مهم لأنه إذا عرف جهاز مخابرات أن هناك جاسوسا يعمل على أراضى دولته لن يكون أمامه إلا ثلاثة حلول وهى إما إلقاء القبض عليه لوجوده فى مكان خطير أو قيام هذا الجهاز بتجنيد الجاسوس كى يكون عميلا مزدوجا أو تركه يعمل والسيطرة على عملية إخراجه للمعلومات ودس معلومات خاطئة له لحين القبض عليه أما ما ورد بالتقرير الإسرائيلى فيثبت فشل وتقصير المخابرات الإسرائيلية لأنه يتحدث عن نجاح يعقوبيان فى إيصال معلومات مهمة عن معسكرات وأسلحة ومفاعل تل أبيب للمخابرات المصرية على الرغم من معرفة إسرائيل المسبقة أنه يعمل لصالح المصريين كيف تقول إسرائيل إنه تحت السيطرة ويستطيع الحصول على هذه المعلومات الخطيرة ونقلها إلى مصر ؟!!
هناك فرقا بين عمل المخابرات وباقى الأجهزة الأمنية فالأمن يتعامل مع مواطن من مواطنى دولته ويقوم بالقبض عليه حتى إذا لم تتوافر الأدلة على إدانته أما المخابرات فيعد اعتقالها شخصا ما اتهاما ضمنيا لدولة أخرى لهذا لا بد أن يقوم جهاز المخابرات بتجميع الأدلة والمعلومات قبل قيامه بعميلة الاعتقال لهذا نسمع عن جواسيس تم اعتقالهم منذ سنوات ويتم الإعلان عن اعتقالهم الآن فقط لأن المخابرات لا بد أن تقوم بتجميع الأدلة حتى إذا قام المعتقل بالاعتراف بقصص بديلة ومفبركة عن عمله الاستخبارتى يمكن لجهاز المخابرات عبر قسمه الفنى فحص هذه القصص ومعرفة مدى اتساقها مع واقع الأحداث .
فى النهاية يعقوبيان وضعت له خطة وقام بتنفيذها كما وضعت له فاستطاع التغلغل فى المجتمع الإسرائيلى وهذا ليس بالأمر البسيط خصوصا فى زمن الحرب مما يعد فشلا وتقصيرا من المخابرات الإسرائيلية.
كيبورك يعقوبيان هو الجاسوس الذى زرعته مصر فى الفترة بين عامى 61 و64 داخل صفوف الجيش الإسرائيلى وكان وراء الكشف عن موقع مفاعل ديمونة جنوب إسرائيل وأسهم فى تحديد معسكرين للجيش الإسرائيلى علاوة على إبلاغه معلومات خاصة بهيئة الدفاع المدنى.
الإعلام الإسرائيلى يقوم بعمليات فبركة وتزييف للعمليات الاستخباراتية التى نجحت من خلالها القاهرة فى اختراق تل أبيب الأمنية والسياسية من الداخل الأمر الذى يأخذ شكل عملية تمويه إسرائيلى للواقع ومحاولة إظهار الانتصارات الاستخبارية المصرية على أنها فشل وإخفاق من قبل القاهرة.
يعقوبيان قدم مثالا على هزيمة تل أبيب فى عقر دارها وإصابتها فى مقتل لكن تل أبيب ومن خلال آلتها الإعلامية تخرج علينا كل فترة وأخرى بمزاعمها فمثلما قالت أن رأفت الهجان جاسوسا لإسرائيل زعمت أن كيبورك يعقوبيان الجاسوس المصرى الذى استطاع اختراق المؤسسة العسكرية يعمل بعلمها المسبق لدى المخابرات العامة المصرية .
لكن نوعية وحجم المعلومات التى قام يعقوبيان بنقلها إلى مصر وبشهادة تل أبيب نفسها التى من بينها الكشف عن موقع مفاعل ديمونة جنوب إسرائيل وتحديد معسكرين للجيش الإسرائيلى علاوة على معلومات خاصة بهيئة الدفاع المدنى هناك وغيرها تكشف أن الرواية الإسرائيلية بها قدر كبير من الكذب .
إسرائيل كعادتها تحاول التقليل من تاريخ المخابرات المصرية فى كشف كثير من عملاء الموساد داخل القاهرة أو حول العالم أو زرعها للعملاء داخل أهم المناطق الحساسة داخل تل أبيب.
ففى شهر أبريل الماضى زعمت صحيفة هآرتس أن رفعت الجمال المعروف برأفت الهجان كان عميلا لإسرائيل والآن تخرج علينا تل أبيب بتقرير للقناة السابعة الإسرائيلية نقلته بالنص عن موقع الشاباك ( جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى ) الإلكترونى مؤخرا يزعم فشل المخابرات المصرية فى زرع عميل لها داخل جيش إسرائيل هو كيبورك يعقوبيان المصرى من أصل أرمنى والذى تم تجنيده باسم يتسحاق كوتشوك كيهودى من أصول يونانية.
الخبير الاستراتيجى اللواء سامح سيف اليزل كان قد كشف فى تصريحات إعلامية عن قصص 3 عملاء زرعتهم مصر داخل تل أبيب مما دفع الأخيرة للاعتراف بتلقيها صفعة من مخابرات مصر وهم كيبورك يعقوبيان وشموئيل باروخ وعبد الرحمن قرمان مضيفا أن تل أبيب اعترفت بذلك خلال كتاب صدر بعنوان الجواسيس موضحا أن يعقوبيان تجند بالجيش الإسرائيلى وصور أهدافا عسكرية مهمة وأن تل أبيب اعتبرت أن من أهم 20 قضية تجسس ضدها كان نصيب مصر أربعة من بينهم القضية المعروفة والتى كان بطلها رأفت الهجان بجانب العملاء الثلاثة .
الآن تحاول تل أبيب تشويه النجاح المصرى فتقرير القناة السابعة الأسرائيلية يصف إعداد المخابرات المصرية للجاسوس بـالسطحى وأنه لم يكن يعرف شيئا عن اليهودية وأنه وقع بسبب التعاون بين جهاز الأمن الداخلى ( الشاباك ) الذى يناظر أمن الدولة فى مصر وقسم الأمن الميدانى بجيش إسرائيل مضيفا أن مهمة يعقوبيان كانت التغلغل داخل المؤسسة العسكرية وتولى منصب جدير بالأهمية وهو الأمر الذى باء بالفشل بعد رفض كل طلباته للالتحاق بسلاح المدرعات أو العمل مصورا باستخبارات القيادة المركزية بالجيش الإسرائيلى أو تلقية دورات تدريبية للضباط .
الفشل الاستخباراتى المصرى كما تحاول القناة السابعة الإسرائيلية تأكيده كانت سببه الرسائل المتبادلة بين يعقوبيان والمصريين فى روما قائلة بعد دخول الجاسوس إلى إسرائيل على يد المصريين وقعت فى يد تل أبيب رسالة تم بعثها لأحد العناوين بروما والمعروفة بأنها كانت مكان عمل للمخابرات المصرية الرسالة المكتوبة بالإنجليزية لم تعط تفاصيل عن اسم أو عنوان مرسلها لكن من خلال محتواها تبين أن كاتبها وصل إلى إسرائيل فى 24 ديسمبر 1961 م وأنه يقيم بإحدى المزارع التعاونية هناك ( الكيبوتس ) .
وتستكمل قائلة المحاولات الأولى لتحديد المشتبه به فشلت لكن استمرار المراقبة أثمر عن مزيد من الرسائل بعث بها نفس المشتبه به إلى روما كذلك تم اعتراض رسالة من الأخيرة لشخص يدعى زكى سليم الاسم الحركى للجاسوس يعيش فى كيبوتس نجفا جنوب إسرائيل وعن طريق الفحص المعملى للخطاب هذا تبين احتواءة على رسائل بالحبر السرى وباللغة العربية ليتم تحديد هوية الجاسوس بشكل نهائى فى أكتوبر 1962 بعد خطاب مرسل لروما أبلغ المصريين فيه انتقاله للسكن فى مدينة أشكلون .
ولكن إذا كانت المخابرات المصرية فشلت بالفعل فى قضية يعقوبيان فلماذا تؤكد نفس القناة فى تقريرها أنه نجح فى نقل كثير من المعلومات المهمة والحساسة للقاهرة كان من بينها تحديد معسكر سلاح المدرعات بمنطقة ( جولس ) شمال إسرائيل وعدد الدبابات التى كانت موجودة به حينئذ وتحديد معسكر ( حسا ) بجانب جولس ومعلومات عن قيادة الدفاع المدنى بيافا وامتلاك إسرائيل المتوقع لطائرات ( الميراج ) الفرنسية ودبابات ووسائل قتالية حديثة أخرى ورحلات تدريب لطائرات ( الميراج ) و( المستير ) و( أورجن ) بمنطقة لاخيش الإسرائيلية ووجود مفاعل نووى بين منطقتى ديمونة وسدوم .
ولو كان المصريون فشلوا كما تزعم إسرائيل فلماذا وصفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية يعقوبيان بعد إعتقاله بـأنة حوت ضخم لا يمكن لأجهزة الأمن الإسرائيلية القبض على جواسيس فى مثل حجمه وأهميته .
الفاشل الحقيقى فى هذه القضية هو جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى ( الشاباك ) فمن خلال التقرير يتضح لنا أن الأخير سمح بالتحاق يعقوبيان بالجيش الإسرائيلى فى 5 نوفمبر 1962 م بالتنسيق مع قسم الأمن الميدانى بالجيش شريطة أن يوضع يعقوبيان فى وظائف غير حساسة وتحت رقابة شديدة حيث تم وضعه للعمل سائقا فى قيادة الدفاع المدنى فإذا ما سرنا مع التقرير الإسرائيلى حتى باب الدار وافترضنا علم تل أبيب بعمالته للمصريين فهل من طبيعة شاغلى الوظائف غير الحساسة الحصول على هذه المعلومات عن معسكرات تل أبيب ومفاعله النووى علاوة على أن تلك المعلومات هى بعض ما كشفته القناة السابعى الأسرائيلية وفقا لتقريرها فما خفى كان أعظم .
وبعيدا عن الرواية الهلامية المتناقضة التى تحاول تل أبيب تقديمها لنا عن جاسوس مصرى استطاع اختراق مؤسستها العسكرية لسنوات تورد القناة معلومات سمتها بـالجديدة عن القضية موضحة أنه ولد فى عام 38 بالقاهرة لوالدين فرا من تركيا بسبب مذابح الأرمن هناك وعمل مصورا فى استوديو بالقاهرة ثم سجن عام 59 هو وأحد أصدقائه على يد الشرطة بعد اتهامه بأعمال غير أخلاقية.
وتضيف القناة إنه خلال فترة اعتقاله فى يناير 1960 انتشرت بالسجن شائعة أن السلطات تبحث عن متحدثين للغات الأجنبية مما دفعه لتقديم مساعدته وهنا التقاه ضابط مخابرات مصرى حاول تجنيده لمهمة استخباراتية خارج مصر وهو ما جعل يعقوبيان يدرك أن الحديث يدور عن إسرائيل فرفض لكن بعد تقديمه طعنا على سجنه والإفراج عنه مر بضائقة مالية ولم يجد عملا بسبب تاريخه الجنائى .
وحول بداية عمله مع المخابرات قالت القناة إنه فى مرحلة معينة قام ضابط المخابرات المصرى بمعاودة الاتصال به وحاول إقناعه للعمل معه لمدة 3 سنوات ووعده بمنحه الجنسية المصرية وإعانة والدته ماليا وإعفائه من الخدمة بالجيش المصرى وهنا وافق يعقوبيان ليمر بعدد من التدريبات استعدادا للمهمة كما منح هوية يهودى وأجريت له عملية ختان .
حاملا هويته الجديدة تقول القناة تحول يعقوبيان إلى ( يتسحاق كوتشوك ) يهودى من مواليد سالونيك اليونانية هاجر إلى مصر مع والدته وزودته المخابرات المصرية بصورتين الأولى لمدافن اليهود بمصر والثانية لقبر والدته المزعوم ولكى يمتص الديانة اليهودية وعاداتها قام بزيارة المعبد الكبير بالقاهرة عدة مرات وبرفقة رجال المخابرات فى أيام السبت والأعياد لكن هذا الإعداد كان سطحيا وكان يعقوبيان جاهلا فى الشؤون اليهودية وبعدها قام بطلب مساعدة الصليب الأحمر للهجرة من مصر فقاموا بتوجيهه لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين وهناك اقترحوا عليه مكانين للهجرة كان من بينهما البرازيل التى اختارها وفى القنصلية البرازيلية قام بتقديم شهادة من الحاخامية بالقاهرة أعطتها له المخابرات المصرية لتكون دليلا على هويته اليهودية .
يعقوبيان وصل إلى البرازيل فى 26 أبريل 1961 م على سفينة خرجت من إيطاليا وفى الطريق قام بعقد صداقة مع أسرة إسرائيلية تقوم بزيارة لأحد أقاربها بالبرازيل وهناك انتظره أحد مشغليه من رجال المخابرات المصرية الذى طالبه بتوطيد علاقاته مع تلك العائلة بعدها أقنع رب العائلة يعقوبيان بالسفر إلى إسرائيل كما رتب له وسائل الاتصال بالمؤسسات الصهيونية التى تعنى بتهجير اليهود فى البرازيل وعلى الفور تلقى كوتشوك تأشيرة الهجرة. قامت المخابرات المصرية بتزويده بالمال والكاميرات استعدادا لرحلته إلى إسرائيل وفى طريقه لأسرائيل التقى فى جنوة بإيطاليا برجل المخابرات المصرية الذى طلب منه كمرحلة أولى فى مهمته التأقلم مع الواقع الإسرائيلى وعمل تغطية وساتر له وفقا للخطة التى كان على يعقوبيان تنفيذها وهى إيجاد عمل لة بمحل تصوير بالقرب من تل أبيب وبعد نحو 8 أشهر من التأقلم داخل إسرائيل سافر إلى مصر عبر قبرص ليتعلم اللا سلكى .
وخلال فترة التأقلم فى إسرائيل عرف يعقوبيان طرق الاتصال بالمراسلات والخطابات السرية مع المصريين فى إيطاليا وتم تزويده بمواد الكتابة السرية وطرق فكها كما سمح له المصريون خلال مرحلة التأقلم بالإبلاغ عن أى مؤشرات لحالات التأهب أو ملاحظته لأى أمرا غير عادى بإسرائيل مضيفة أن مسار الأحداث لم يتطابق مع الخطة المصرية فبعد تجنيده بالجيش طالبه المصريون بالعمل فى سلاح المدرعات لكنه فشل فى ذلك كما لم ينجح فى العمل مصورا باستخبارات قيادة المركز ورفض طلب له فى مايو 63 بتلقى دورة تدريبية للضباط ليتم اعتقاله بعد تسريحه الذى جاء بناء على طلبه.
القناة قالت فى نهاية تقريرها إن يعقوبيان حكم عليه عام 1964 م بالسجن 18 عاما وظل في السجن لمدة عامين فقط وفي اليوم التاسع والعشرين من شهر ابريل عام 1966 م تم تبادله مع ثلاثة إسرائيليين كانوا قد اجتازوا الحدود المصرية بدون إذن وهم يلفيد حانوخا وابنه صموئيل حانوخا وعودي مائير وطلبت مصر استلام فدائيين فلسطينيين مع يتسحاق كوتشك هما حسين حسن الحفاني وسعيد خميس عبدالقادر اللذان قبض عليهما في إسرائيل وهما في طريقهما لتنفيذ عملية فدائية في الداخل
الدكتور نبيل فاروق الكاتب المتخصص فى شؤون الجاسوسية يقول تعليقا على تقرير القناة السابعة الإسرائيلية إنه لا يوجد خصم يعترف بانتصارك عليه ولا يوجد جهاز استخبارات يتعرض لهزيمة ويقول إنه تعرض لها وفى كل عملية مخابرات نجح فيها المصريون قامت تل أبيب بقلب الحكاية لتبدو هى المنتصرة عبر الآلة الإعلامية الإسرائيلية المجهزة والموجهة للخارج وقد حدث هذا مع رأفت الهجان عندما حاولوا قلب القصة لصالحهم بالقول إنه كان يعمل جاسوس لدى تل أبيب .
هناك اثنين إسرائيليين متخصصين فى إعادة تشكيل وتأليف قصصى لعملية المخابرات بحيث تبدو إسرائيل هى المنتصرة فى تلك العملية وهما يوسى ميلمان خبير الشؤون الاستخباراتية لصحيفة ( هآرتس ) الإسرائيلية والصحفى إيتان هابر محلل الشؤون الأمنية بصحيفة ( يديعوت أحرونوت ) العبرية ومدير مكتب إسحاق رابين رئيس الوزراء الأسبق لافتا إلى أن الاثنين يقومان بعملية تأليف وإعادة تشكيل لعمليات المخابرات العامة المصرية . أن مزاعم القناة السابعة الإسرائيلية عن كيبورك يعقوبيان يكذبها ويفندها وهو أمر مهم لأنه إذا عرف جهاز مخابرات أن هناك جاسوسا يعمل على أراضى دولته لن يكون أمامه إلا ثلاثة حلول وهى إما إلقاء القبض عليه لوجوده فى مكان خطير أو قيام هذا الجهاز بتجنيد الجاسوس كى يكون عميلا مزدوجا أو تركه يعمل والسيطرة على عملية إخراجه للمعلومات ودس معلومات خاطئة له لحين القبض عليه أما ما ورد بالتقرير الإسرائيلى فيثبت فشل وتقصير المخابرات الإسرائيلية لأنه يتحدث عن نجاح يعقوبيان فى إيصال معلومات مهمة عن معسكرات وأسلحة ومفاعل تل أبيب للمخابرات المصرية على الرغم من معرفة إسرائيل المسبقة أنه يعمل لصالح المصريين كيف تقول إسرائيل إنه تحت السيطرة ويستطيع الحصول على هذه المعلومات الخطيرة ونقلها إلى مصر ؟!!
هناك فرقا بين عمل المخابرات وباقى الأجهزة الأمنية فالأمن يتعامل مع مواطن من مواطنى دولته ويقوم بالقبض عليه حتى إذا لم تتوافر الأدلة على إدانته أما المخابرات فيعد اعتقالها شخصا ما اتهاما ضمنيا لدولة أخرى لهذا لا بد أن يقوم جهاز المخابرات بتجميع الأدلة والمعلومات قبل قيامه بعميلة الاعتقال لهذا نسمع عن جواسيس تم اعتقالهم منذ سنوات ويتم الإعلان عن اعتقالهم الآن فقط لأن المخابرات لا بد أن تقوم بتجميع الأدلة حتى إذا قام المعتقل بالاعتراف بقصص بديلة ومفبركة عن عمله الاستخبارتى يمكن لجهاز المخابرات عبر قسمه الفنى فحص هذه القصص ومعرفة مدى اتساقها مع واقع الأحداث .
فى النهاية يعقوبيان وضعت له خطة وقام بتنفيذها كما وضعت له فاستطاع التغلغل فى المجتمع الإسرائيلى وهذا ليس بالأمر البسيط خصوصا فى زمن الحرب مما يعد فشلا وتقصيرا من المخابرات الإسرائيلية.